تشهد الرياضة السعودية، تحولًا جذريًا بقرار خصخصة الأندية الكبرى، مستلهمة نماذج عالمية ناجحة، أبرزها في القارة الأوروبية.
وتمثل هذه الخطوة جزءا من رؤية المملكة 2030، وتهدف إلى بناء قطاع رياضي مستدام، ومنافس عالميًا.
وتم نقل ملكية الأندية قبل عدة سنوات إلى صندوق الاستثمارات العامة وجهات استثمارية أخرى، قبل أن يتم التوجه حاليًا إلى بيع ناديي الهلال والاتحاد لكبار رجال الأعمال في المملكة.
هذا النموذج، الذي يهدف إلى بناء قطاع رياضي مستدام ومنافس عالميًا، يفرض مقارنة ضرورية مع التجارب الأوروبية العريقة، خاصة في الدوري الإنجليزي الممتاز (البريميرليج) والليجا الإسبانية، للكشف عن الفروقات الجوهرية في القواعد وآليات الاستدامة.
مقارنة قواعد وشروط هذه الخصخصة مع تجارب رائدة مثل الدوري الإنجليزي الممتاز (البريميرليج)، والليجا الإسبانية تكشف عن فوارق جوهرية في الأهداف، آليات التنفيذ، وضمانات الاستدامة.
-قواعد وشروط الخصخصة :
- تختلف قواعد الخصخصة بشكل كبير بين السعودية وأوروبا. ففي المملكة العربية السعودية، جاءت عملية الخصخصة بمبادرة عليا عبر "برنامج نقل الملكية والاستثمار"، حيث يمتلك صندوق الاستثمارات العامة حصة (75%) في أربعة أندية كبرى.
هذا النموذج يتميز بأنه مدفوع بقرار استراتيجي حكومي يضمن القوة المالية الفورية، والالتزام طويل الأمد، فالشروط هنا تركز على قوة الملاءة المالية للمالك الجديد، لتنفيذ خطط استثمارية ضخمة تضمن ضخ الأموال في البنية التحتية والتعاقدات لرفع القيمة السوقية للدوري.
-في المقابل، تعتمد أوروبا على نموذج الاكتساب الخاص، ففي الدوري الإنجليزي الممتاز، تخضع عملية البيع لـ اختبار المالك والمدير، الذي يشترط ثلاثة معايير أساسية : إثبات الملاءة المالية لتمويل النادي دون الاعتماد على القروض، النزاهة القانونية للمالك، والأهلية الإدارية.
- أما في الليجا الإسبانية، فإن أغلب الأندية تحولت إلى شركات مساهمة رياضية، وتتطلب عملية البيع موافقة مسبقة من مجلس الرياضة الوطني، لضمان قدرة المالك على الوفاء بالمتطلبات المالية والقانونية.
الحفاظ على الهوية الرياضية للأندية بعد الخصخصة:
ضمان الحفاظ على الهوية الرياضية والتاريخية للنادي يعد من أبرز التحديات في عملية الخصخصة، بعيدًا عن استغلال النادي كأداة اقتصادية بحتة قد تؤدي إلى إفلاسه.
- في السعودية، لا يزال النموذج في مراحله المبكرة، والضمانات الحالية ترتبط بالتوجه الوطني العام لدعم الرياضة كجزء من الثقافة.
- في المقابل، تمتلك إسبانيا ضمانة قوية في أنديتها الأربعة الكبرى (ريال مدريد وبرشلونة وأتلتيك بيلباو وأوساسونا) التي لم تخضع للخصخصة وتظل مملوكة لـ "الأعضاء"، هذا يضمن أن القرارات المصيرية المتعلقة بالهوية التاريخية للنادي تبقى في يد القاعدة الجماهيرية نفسها، وليس المستثمر.
- وفي إنجلترا، تحاول القوانين حماية هوية الأندية المخصخصة، لكن تجربة بعض الأندية أظهرت تضحيات بالجانب الثقافي مقابل السعي للربح والنجاح الفوري.
قواعد الصرف والإنفاق في الأندية بعد الخصخصة :
- الفارق الأبرز يظهر في قواعد الصرف والإنفاق للمالك الجديد، ففي السعودية، هناك حرية إنفاق عالية نسبيًا في الفترة الحالية، والهدف هو تحقيق "قفزة نوعية" سريعة في مستوى اللاعبين والمنافسة، دون تطبيق قواعد صارمة للعب المالي النظيف شبيهة بالقواعد الأوروبية.
- على النقيض، يطبق الدوري الإنجليزي قواعد الربحية والاستدامة التي تحد من حجم الخسائر التي يمكن للنادي تكبدها على مدار ثلاث سنوات.
- أما الليجا الإسبانية، فتعد الأكثر صرامة في العالم، حيث تفرض نظامًا للتحكم الاقتصادي يحدد سقفًا للرواتب والإنفاق لكل ناد بناءً على إيراداته وقدرته على سداد الديون، هذا التحكم الإسباني يمنع الملاك الجدد من الإنفاق المفرط بشكل يهدد استقرار النادي أو يخل بالمنافسة العادلة.
المستفيدون من أموال الخصخصة: استثمار أم عائد للمساهمين؟
يختلف المستفيد النهائي من عملية الخصخصة حسب هيكلة النادي. في إسبانيا، عندما يتم بيع نادي متحول إلى شركة مساهمة رياضية، تذهب الأموال إلى حاملي الأسهم الذين استثمروا في النادي سابقًا.
-أما في السعودية ، فإن العملية هي جزء من برنامج استثماري ضخم يهدف إلى تطوير القطاع، الأموال المدفوعة مقابل نقل الملكية والاستثمار تهدف بشكل رئيسي إلى ضخ سيولة مباشرة في الأندية وبرامج تطويرها، وليس فقط لتوزيع الأرباح على الملاك السابقين، فالهدف هو تحويل الأندية إلى شركات تجارية ذات قيمة مضافة عالية للدولة.
أوجه الاختلاف :
تظهر المقارنة أن الخصخصة السعودية هي مشروع "تطوير وطني عاجل" مدعوم بقوة، يركز حاليًا على الاستثمار المكثف لتحقيق مكانة عالمية سريعة.
وفي المقابل، تركز النماذج الأوروبية على الاستدامة الاقتصادية والنزاهة التنافسية من خلال ضوابط مالية صارمة وهياكل ملكية تاريخية (في حالة الأندية الأعضاء)، مما يجعل تجربة الخصخصة في كل قارة تسير في مسارات مختلفة جدًا لتحقيق النجاح الرياضي.
اقرأ أيضا
نحتاج حكم عادل .. مدرب الأردن يحذر من التحكيم في مباراة السعودية
مدرب الأردن يجهز مفاجأة كبرى للأخضر السعودي في كأس العرب 2025

التعليقات السابقة